.. وشهد شاهد من أهلهم
الرئيس الأسير قاتل بسلاحه الفردي وقصة اعتقاله و"حفرته" ملفقة بالكامل
اعترافات المُجَتَّد اللبناني الأصل تفتح صفحات
الفضائح الأميركية.. وهذه هي التفاصيل
الفضائح الأميركية.. وهذه هي التفاصيل
لا ندري ماذا يفعل المواطن اللبناني "نديم أبو رابح" في قرية عاريا، الواقعة في منطقة المتن الجنوبي بلبنان، والذي "اختار لنفسه هذا الاسم"، على ذمة صحيفة "المدينة" السعودية التي قالت أنها قابلته هناك على أساس انه رقيب سابق في الجيش الأميركي (كما قال)، وقد حارب في صفوفه، وكان حاضراً لحظة أسر الرئيس صدام حسين يوم الجمعة 12 كانون الأول 2003، وليس السبت 13/12 كما أَعلنت القوات الأميركية.
مصدر السؤال يعود إلى الرغبة في معرفة: هل هذا "المواطن اللبناني" أميركي الجنسية أم لا، وهل خدم طويلاً في الجيش الاميركي، ثم استقال أو أُقيل فجأة بعد أسر الرئيس العراقي (أي في غضون السنة المنصرمة). ثم عاد إلى بلده؟ أم أنه من مجموعة المرتزقة الذين استقطبهم الجيش الأميركي لقاء رواتب مجزية، فمن قُدّر له منهم النجاة برأسه بعد انتهاء "عقده" عاد من حيث أتى، ومن قُتل على أيدي رجال المقاومة أُلقي به في النهر من قبل زملائه كما اكتُشِفَ لاحقاً، إذ لا قيمة له، ولا داعي لإبلاغ أهله، فهو ليس أكثر من مرتزقة لقاء حفنة من الدولارات، لا يستحق من قبلهم التقدير ولا حتى التشييع، كسائر الجنود الأميركيين (الأصليين)!
معرفة حقيقة وضعه، هل كان مجنداً أم مرتزقاً توصلنا الى معرفة الدافع الى اعتراف "أبو رابح" بأن قصة اعتقال الرئيس صدام – كما رواها الأميركان – غير صحيحة وهي مفبركة تأليفاً وتصويراً، وتوضح هل كان هذا الاعتراف رغبة في كشف الحقيقة وتعرية أكاذيب الأميركان (إذا كان أميركياً بالتجنس وجندياً بالفعل، سيق الى العراق بالقوة، ثم سارع بعد انتهاء مهمته الى الاستقالة)، أم كان بدافع الانتقام ممن استرزقوه لفترة ثم "زَبَلوه" بعد انتهاء مهمته دون أن يوفوا بوعود والتزامات قطعوها له ولأمثاله الكثيرين – مع الأسف -؟
وعلى أي حال، وسواء كان هدف اعترافه تعرية جيش الاحتلال الأميركي لسبب مبدئي انساني أم الانتقام منه لسبب شخصي، فإن ما قاله هذا الرقيب السابق لم يُفاجىء العارفين بشخص الرئيس الأسير وطبيعة العراقيين، ولا المكتوين بنيران "القوة الأكبر" وأساليب خداعها عبر التاريخ الحديث والقديم، فقد ذكرنا قبل عام من الآن، وعلى هذه الصفحات تحديداً شواهد بالأمثلة الحيّة على التزوير الأميركي، وكنّا – ربما – أول من فضح بالتفصيل زيف المشهد الذي صوّره الأميركان بدءاً بـ "الحفرة"، وانتهاء بمحتوياتها من المواد الغذائية غير المتداولة في العراق. وسنأتي على التذكير بذلك حرصاً على اثبات الوقائع في وجه التزييف.
شاهد من أهلهم
المهم أن اعتراف "أبو رابح" بالتلفيق، وسرده للرواية الحقيقية المناقضة لما أعلنه الأميركان – من وجهة نظره على الأقل – بصفته واحداً من عشرين عسكرياً أميركياً، يضّمون ثمانية من أصول عربية، كانوا مكلفين بمهمة مداهمة وتفتيش في منطقة الدور القريبة من مدينة تكريت بدعم من طائرات الهيلوكوبتر وست دبابات، هذا الاعتراف نسف كل الروايات والمشاهد التلفزيونية والصور التي روّجتها قوات الاحتلال حول هذا الموضوع.
أما قوله بأنه لم يتم أسر الرئيس صدام إلاّ بعد معركة ضارية استعمل فيها سلاحه الشخصي، وقُتلت خلالها مجنّدة من أصل سوداني، ثم شَرْحِهِ لكيفية تخديره بعد ذلك بمادة شديدة المفعول، جعلته يفقد القدرة على الوعي والحراك قبل أن يجري تصويره وهو لم يصحُ بعد من المخدّر، فانه يُعطي قدراً من المصداقية، بغض النظر عن مدى دقة التفاصيل الأخرى أو حتى فبركتها من قبله.
ومما يستوجب الوقوف أمامه ومقارنته بما قيل وكتب هنا وهناك، فهو قوله أن الجيش الاميركي قام طوال يومي الجمعة والسبت (12 و13 كانون الثاني) بتحضير المكان لتصوير عملية الأسر بشكل يختلف تماماً عن الحقيقة. فتم تحضير ما وُصف بالحفرة، بعد أن كانت بئراً مهجوراً حسبما قال، وجرى إعادة توضيبها وايصالها بالغرفة التي كانت مسرح التصوير، حيث لعبت الكاميرا الاميركية دورها الأساسي في قلب الرواية الحقيقية لكيفية أسر الرئيس، وفبركة مشاهد مناقضة لما حصل أثناء ذلك، بهدف احباط الناس، واظهار الرئيس الأسير على غير حقيقته وشكله وعنفوانه.
شواهد جديدة على التزوير
وهكذا تمّ تسويق هذه الصور على سائر وسائل الاعلام، ولم ينتبه أحد للتفاصيل الدقيقة التي تفضح زيف التركيبة التي وُضّبت على عجل، وأُخرجت بشكل يفضح الحقيقة لو تمّ التدقيق بها جيداً، مع أن الصورة التي نشرتها لاحقاً صحيفة "الاندبندنت" البريطانية – يوم 7 كانون الثاني 2004 – بالألوان وعلى صدر صفحاتها الأولى، كانت كافية لتوضيح "حالة" الرئيس وهو ملقى على الارض، فارغ الفاه، يحيط به عدد من قوات الاحتلال، أما سمات التخدير فلم تبدُ ظاهرة عليه فقط، بل كانت تشّل حركته وقد غيبّته كاملاً عن الوعي.
بالاضافة لكل ذلك، كانت معالم "معركة" قد تركت آثار الضرب والجروح على وجهه ورأسه، فيما بدت أسنانه وقد نزفت دماً تَجَمّدَ بينها وبين لثّته. أما حالته العامة فكانت أشبه بليث أصابه سهم مخّدر فانقضّ عليه أوغاد الغابة!
ومع أن تسريب هذا المشهد كان يهدف أولاً وأخيراً الى تشويه الصورة الحيّة للرئيس الأسير في وجدان الناس، إلاّ أن أحداً لم يقتنع برواية الأميركان حول الكيفية التي تمّ بها أسره.
وبقي السؤال: إذا صحّ ما ادعاه الاميركان بأن الرئيس لم يُقاتل وآثر الحياة مخاطباً جند الاحتلال "أنا رئيس العراق، لا تطلقوا النار، أريد التفاوض"، وهو عكس ما أكّده الرقيب اللبناني الأصل "نديم أبو رابح"، فلماذا إذن بدا بهذه الحالة، ولماذا كان بعد ذلك بفترة زائغ البصر، شارد الذهن، يتلمّس وجهه ولحيته بلهفة مثل الضائع الذي لا يصدق هل هو حي أم ميت.
أما بخصوص ما قيل مؤخراً عن السر في وجود علبة لحم رخيص من ماركة "سبام" في الحفرة، مع أن هذا المنتج لا يُباع في العراق، وهو ما ورد على لسان الكاتب مالكوم لاغوس/ترجمة دجلة وحيد في شبكة "البصرة" الالكترونية متسائلاً: كيف يتواجد في الحفرة مثل هذا النوع من اللحوم غير المتوفرة في العراق، فقد لاحظنا بدورنا، وفي مقال سابق وقبل سنة من الآن أن الشريط الذي بثته قوات الاحتلال حول الغرفة الملحقة بالحفرة، وما ظهر على أرضها من بقايا طعام ومعلبات يفضح بصورة لا تقبل الشك الفبركة الاميركية لقصة الاعتقال.
ففي هذا الشريط الذي لم يجر تكرار عرضه بعد ذلك – على النقيض من شريط تفتيش شعر وأسنان الرئيس صدام – أكثر من خطأ فني واضح ارتكبته قوات الاحتلال، اما لأنها أعدت مسرح التصوير بسرعة ولهفة، أو لجهلها بطبيعة العراق والعراقيين، وعدم درايتها حتى بما يأكلون وما يستوردون. فقد ظهر فيه على أرض الغرفة بقايا حبات من فاكهة "الكيوي"، وبعض حبّات من الموز الباكستاني أو الهندي (غير البلدي أو الصومالي)، بالاضافة – وهو الأهم – بقايا قطعة من الشوكولاته الممزوجة بالكاراميل المعروفة في الغرب باسم "سمارت"، وهي مدرجة على لائحة المقاطعة مثل الكوكاكولا والماكدونالدز، وممنوعة من دخول البلدان العربية التي تلتزم بقانون المقاطعة، فهل يُعقل أن تكون موجودة في العراق، وأن تكون الغذاء المحبب للرئيس؟
بالنسبة للانسان الاعتيادي قد تبدو الأمور طبيعية، فلا يلاحظ شيئاً، غير أن العارف بأن فاكهة "الكيوي" ليست موجودة في شرقنا ولا في العراق حسب ما هو معروف، كما أن ذلك النوع من الموز أيضاً غير موجود، فضلاً عن الشوكلاته الممنوعة، سوف يدرك بعدها أن التفسير الوحيد لوجودها يعود الى احضارها من مستودعات المطبخ الاميركي الذي يستورد كل شيء من أقصى الغرب الى أقصى الشرق، أو مستودعات الجيش "الاسرائيلي" الحليف! خصوصاً وان اسرائيل المتواجدة بكثافة في منطقة الشمال العراقي قد لعبت دوراً "مميزاً" مع حلفائها من الأكراد في التجسس على "أخبار الرئيس" قبل أسره، وتردّد أنها هي واحدى المجموعات الكردية الحليفة لها قد دلّت عليه.
ولمن يستغرب "حشر" القوات الاسرائيلية في الموضوع، أو يستبعد دورها نقول أن الحديث عن الترابط الاستراتيجي بينها وبين القوات الاميركية في العراق قد عاد يطرح مؤخراً تصوراً جديداً للعلاقة المستقبلية، الى درجة تسريب أخبار عن احتمال انتقال القوات الاميركية الى "أرض الميعاد" اذا ما وجدت نفسها مضطرة الى مغادرة العراق تحت تصاعد الضربات التي تنزل على رأسها كالمطر كل يوم.
أما كيف يمكن أن تُترجم هذه "النقلة" دون أن تثير في الأميركيين مشاعر السخط لعودة قواتهم خائبة كما عادت من فيتنام، فإن السيناريو الذي يُعدّ له في هذه الأيام يقول أن نقل هذه القوات الى "اسرائيل" سيكون لتحقيق مهمة "نبيلة" من نوع آخر، في الوقت الذي لن يبعدها عن مناطق المواجهة، بل يجعلها في وضع "آمن" بين أصدقاء، لا أعداء، ولا مقاومة أيضاً.
وإذا قُدّر لكلام يوري أفنيري الذي نشر في مجلة "كاونتربنش" أن يصدق حول احتمال اندلاع حرب أهلية في "اسرائيل"، فإن مهمّة هذه القوات "الاميركية" ستكون نبيلة فعلاً في نظر الاميركان والاسرائيليين معاً، وتُغطّي على مشاعر الهزيمة والسخط التي سيولدها انسحابها من العراق.
وهذا الكلام يلتقي الى حدّ كبير مع كلام آخر للمتعصب الصهيوني لانداوا كتبه في صحيفة "ذي انسايدر" يوم 21 شباط/فبراير الماضي هدّد فيه "الخانع" شارون – كما وصفه – بحرب أهلية اذا ما أصرّ على اخلاء المستوطنات وسحب قواته من أرض يهودا والسامرة، وهو ما أوردته صحيفة المدينة السعودية في عدد 13 آذار الجاري، وهي الصحيفة نفسها التي قابلت الرقيب الاميركي – اللبناني المستقيل "نديم أبو رابح".
وبعد،
ليست هذه هي المرة الأولى التي يلجأ فيها الأميركان الى تزوير الحقائق والمشاهد عبر كاميراتهم الرسمية، فإذا كانوا قد فعلوها مع نورييغا شريكهم في تجارة المخدّرات عندما اختلفوا معه، فاتهموه بالشذوذ الجنسي وصوّروا مكتبه بعد احتلال بنما في العام 1989 وقد ملىء بالمجلاّت الخلاعية، فكيف لا يفعلوها مع من واجههم وتصدى لهم وقاتلهم، ولم يكن بإمكانهم اتهامه لا بالسمسرة ولا بالشذوذ وطبعاً لا بالمخدرات؟
كان الشيء الوحيد الممكن أمامهم اعادة "ترتيب" حفرة، بعد أن استعصى عليهم اعادة "ترتيب" فكر الانسان وماضيه وحاضره.