ثورة الخبز
كان الناس يعيشون بسلام ....ياكلون الخبز بهناء صعب .....مع قليل من الحليب....ان وجد......البسمه كانت تكفي مع طعامهم......ربما كانت بديل جيد او كافي لما تبقى من نواقص على سفرة الطعام.......او انها كانت ضروريه للاولاد.....لان البسمات كانت تمنعهم ربما عن السؤال عن باقي الطعام......اجسامهم كانت ضعيفه ....واهنه ....تشكي حالها لمن ياتي من خارج تلك البلاد .....
الغريب ....او ما كان يطلق عليه ....كان نائم.......هذه الكلمه كانت بالنسبه له .....اقسى من اطلاق الرصاص...
لم يكن يفهمها قبل هذا الوقت .....لكن الحديث عنها يختلف كثيرا عن الاحساس بها.....الخلاف الوحيد بين الحالتين....
المرارة ......
لقد اعتقد الغريب الوحداني المهاجر ....ان البلاد التي عاش فيها بن نافع ..هي بلاد لا يمكن ان يشعر بنفسه فيها غريب.....لكن عقبه قد مات منذ زمن ......يبدو انه لم يوصي اهل تلك البلاد بشيء عن الغرباء....او انه لم يعلمهم الرحمه او الرافه في الحديث.....
افاق هذا الغريب من نومه.....المسكين ....كان مستغرب مما يسمع من اصوات .....هل هو الحلم.....او ان ما يسمعه حقيقي.....عاد الى النوم من جديد وهو يكذب على نفسه.....او انه لم يكن يريد ان يفتح عينيه .....كان لا يريد ان يصدق نفسه ...حاول ان يغير طريقة نومه .....لعله كابوس....ربما
عاد الصوت من جديد....المسكين ....سمع صوت ازيز رصاص.....لكن هذا الصوت يختلف عن ما كان يسمعه في بلاده ....الغريب انزعج كثيرا....الغريب خاف....الغريب اصابه القلق...ربما ان الوحده هي السبب...بسبب وبدون سبب ....هل هو النحس او ان الدنيا هي النحس...
اعتقد لفتره من الزمن ان هذا الصوت قد اختفى من حياته.....لكنه عاد يلاحقه من جديد.....لكن هذه المرة ...صوت الرصاص يختلف.....الغريب شعر بان صوت الرصاص يحمل حقد....يحمل قتل......لقد احس الغريب ان الرصاص ياتي مع رائحه دماء.....افاق الغريب من نومه .....وهو يتمنى ان يكون هذا مجرد حلم ....او هذيان ربما....
نظر المسكين من الشباك.......كانت حقيقه وليس حلم.......
انها ثورة الخبز......
خرجت النساء ....خرج الرجال....الاطفال......كل الناس خرجوا الى الشوارع للدفاع عن اغلى ما يملكون....خرجوا للدفاع عن خبزتهم التي يفطرون.... ويتغدون.... ويتعشون عليها....الله اكبر ...الله اكبر....لقد ارتفع سعر الخبز.....هذه هي كلمات الناس عندما سئلهم الغريب عن السبب .....
كانت ساعات عصيبه .....مرت كما لو انها دهر طويل جدا.....الصيف كان حار جدا جدا بالنسبه للغريب ....الجو صحراوي....لا يوجد مكيفات في بلاد لا تجد سوى الخبزة للاكل ....الماء البارد كان عبارة عن خيال..... او من الذكريات .....الشوارع محروقه من شده لهيب الشمس.....اشلاء الناس كانت متناثره على اطراف الطريق ....اشلاء الاولاد والرجال والنساء....ليس من اجل وطن ....ولا من اجل مبدأ.....كانت من اجل الخبز....
الغريب المسكين ....خاف كثيرا على نفسه.....لا يريد ان يموت من اجل الخبز.....او انه قد تعلم ان الموت فقط من اجل الاوطان ....المسكين كان يبكي على نفسه ....على الناس ....على الخبز.....
المسكين لا يوجد معه نقود .....المسكين سوف يموت جوعا......الغريب حاول الهرب ....ذهب الى عاصمة البلاد حيث يجد الغرباء من جنسه....لعله يجد الامان اكثر او يجد الخبز ....او النقود .....سافر الغريب ....
هرب المسكين ....ترك كل شيء .....كم كان قاسي ان يهرب من اجل الاكل .....او الخبز...او الامان ....خرج الغريب مثل اللصوص....خرج عند بزوغ الفجر.....
كانت الطريق طويله جدا ....كانت دهرا او اكثر ....كان حملهم ثقيل جدا....لان الخوف كان يسير معاهم في الطريق ....والجوع ...والياس.....وقله الحيله .....الخوف في العينين كان اللغه بين الناس .....لم يكن داعي لان يستعملوا لسانهم ......الغريب .....كان سعيد من الداخل.....لانه لن يتكلم......لن يعرفه احد......لن يعرفوا انه غريب .....
لانهم كانوا يعرفونه عندما يتحدث......كان المسكين سعيد بالصمت ....صمت مزعج....مثل صمت القبور احيانا ...
او ان الناس لا يريدوا الكلام.....
وصل اللواج ...او وسيله النقل ....الى اطراف العاصمه.....كانت بعيده جدا .....كان الغريب متعود ان ينزل قريبا من حبيبه....ابن خلدون....الواقف في ساحه كبيرة ....على مقدمه شارع طويل وجميل ....كان يهيمن عليها بوقوف شامخ واثق....كثيرا ما كان هذا الغريب يتحدث مع ابن خلدون ويسئله عن الماضي المجيد.....
مشى الغريب مشيا طويلا ....الى ان وصل الى مركز العاصمه....كان المسكين تعبان جدا ....جائع جدا....خائف جدا....الغريب حيران.....زعلان...... كانت وقت الظهيرة عند الوصول.....كان الطقس اقسى من المغول....لا يرحم...لا يفهم.....او لا يريد.....لا يوجد عنده فرق بين كبير او صغير ...او ابن البلاد او غريب ....لعله سئء ...او لعله غبي او قاسي....لان قساوته لا زلت اذكرها بعد مرور زمن ....الغريب لم يجد مكانا يلجأ اليه ....لم يجد مترا واحدا يأمن فيه على نفسه في بلاد لا تغيب عنها شمس الله.....تذكر التاريخ......تذكر الفتوحات الاسلاميه.....آه....آهات خرجت من الصدر.....الجبال سمعتها ...باطن الكون شعر بها.....كل الدروب كانت مغلقه.....الشوارع تغيرت مساراتها......المراكز العامه التي تعود الغريب ان يستريح فيها....اصبحت مصدر للقتل والابادة.....لم يكونوا يعرفون شيء .....لا يفهمون.....يبدو انهم قد خلقوا لهدف واحد وتدربوا عليه.....انه دور عزرائيل بين البشر......حاول الغريب ان يصل الى احدى السفارات الاجنبيه او العربييه حتى.....كان اشبه بالمستحيل او اقرب الى الموت.....كان يجد في تلك اللحظة ان الوصول الى القمر ربما اسهل من الوصول اليهم.....
الغريب يسير في الشوارع.....تاره يمشي سريعا.....تارة يمشء بطيء.....تارة يختبيء.....جائع وتعبان ....عطشان....
يبحث في عيون الناس احيانا ....لا يجد ما يريد.....انهم فاقدون للامان .....ياتي المساء والمسكين لا يزال على حاله...
فجأه سمع الغريب صوت الرعد............اعلان منع للتجوال........
الوقت يسير اسرع من العاده.......الغريب حائر .....الخوف الحقيقي تملكه......سوف يموت في هذه البلاد.....قرا القرأن ......تمتم بآيات الله من هنا وهناك لعلها تسعفه.....وصل الى الآيه التي تقول.....لا تدري نفس باي ارض تموت......ارتاح الغريب لاول مرة منذ سنوات ......لقد كانت الساعات العصيبه التي شاهدها او عايشها .....اكثر من سنوات.....لانها اشعرته بشيخوخه .....شيخوخه ليست لطيفه .......كان يسير في شوارع العاصمه والدموع تنزل ....
لم يلاحظ احد بكائه......لان العرق ايضا كان يغطي عيون الناس ووجوههم......
اقتربت الساعه كثيرا......بدأت قوات القتل بالتحرك او الاستعداد......ليس من حق انسان على هذه الارض ان يأخذ روحي.....هكذا كان يخاطب نفسه.....الغريب تشجع.....اصبح يتكلم مع نفسه.......طوال النهار كان يتهرب من مواجهة قوات القتل او عزرائل الارض.......هذه المرة ......صاحت انفاسه......على ما يبدو ان ساعته لم تحن بعد.....انطلق يبحث عنهم......
وصل الى مقر الجامعه العربية.....ضحك الغريب كثيرا وبصوت عالي ......سمعه الناس من حوله.....هذه الجامعه التي لم تستطع ان تحمي بلاد عربيه او اسلاميه.....هل تستطيع حمايتي انا....يا ربييييييييي ......
ربما ان الغريب قرر ان يموت على ابواب الجامعه العربيه......حاول الوصول اليها.....لكن هيهات....الوصول الى هناك ....كان مستحيل ...او خيالي.....ربما كان الغريب يحتاج الى دبابات وليس الى قدمين متهالكتين بسبب السير والخوف .....حاول الوصول ....لم ينجح....كانوا مثل الذئاب....او مثل الكلاب الجائعه.....كان لعابهم يسيل على الدماء....تخيل الغريب دراكولا في نفوسهم.....لم ييئس الغريب .....او ان الوقت قد نفذ.....لم يكن يبحث عن بديل....لم يعد هناك بدائل......
اعلان منع التجوال .....الوقت انتهى ....الموت اقترب ....في اي لحظة.....في اي ثانيه......هجم الغريب على تلك الذئاب .....ليس هناك اقتراحات افضل.....متى سوف يطلقون النار....هل حانت الساعه....يا الله ....يا الله
بدأ بقرائة القرآن ......علم الغريب فيما بعد ان هناك قانون عقيم في تلك البلاد ......ربما هو الوحيد الذي اعطاه
عمر اطول لكي يعيشه ....ويرى فيه ما تبقى من تفاصيل عن بعض الرجال او اشباههم في احيان اخرى ....
كانت جميله تلك السنوات الهديه التي اعطاها الله لهذا الغريب .....لكي يرى فيها بعضا من مخلوقات الله ...آيات ...من الله....من انسان وبشر ورجال ونساء واطفال........القانون العقيم كان يقضي بعدم اطلاق النار امام الجامعه العربيه ....مهما كان السبب.....فرح المسكين بعد ان تم اعتقاله .....لان الاعتقال والقانون انقذو حياته.......ربما هو التاريخ.....او ان هناك الكثير من الصفحات ....فارغه ....احتاجت الى من يملاها....الغريب كان سعيد بالكلافشات الملعونه ....كان سعيد بمناظرهم الكريهة....كان سعيد لفتات الخبز الذي اعطوه.......الشعور بالامان كان يكفي لان يتحمل اسوأ ما يكون ....