لا شك في أن انسحاب قوات الاحتلال الأميركي من العراق مطلب غالبية الشعب العراقي إن لم نقل كله, وهي رغبة جميع الشعوب الحرة في الشرق والغرب. لكن وللأسف بعض الأمور لا تكون بهذه البساطة ولا بهذه الشفافية, فالانسحاب التدريجي الذي تكلم عنه البيت الأبيض لا يعدو كونه خطوة تكتيكية نرجو أن نكون مخطئين بشأنها.
" إذا أخذنا بعين الاعتبار أن مبدأ الإدارة الأميركية كان على الدوام معارضة أي انسحاب حتى استكمال مهمة بناء جيش عراقي وحكومة عراقية شرعية, فإن هذه المهمة لم يتم تنفيذها بعد ولا ينتظر تنفيذها في القريب العاجل " |
الولايات المتحدة ما دخلت واحتلت بلدا بعد الحرب العالمية الثانية ثم خرجت منه باستثناء فيتنام وكوريا الشمالية لأنها لم تحتلهما عمليا ولم تبق فيهما بالتالي. وحسب نشرة وزارة الدفاع الأميركية يوجد للولايات المتحدة قوات في 135 دولة في العالم, ويعني هذا أن لديها قوات في أكثر من 70% من دول العالم، بالإضافة إلى مناطق وجزر لا تعتبر دولا وهي غير مستقّلة وتتواجد فيها القوات الأميركية. ولا يستطيع المواطن الأميركي العادي على الأرجح تحديد موقع أغلب هذه الـ135 دولة على الخريطة, فضلا عن بعضها.
ومن هذا المنطلق فنحن لا نرى العراق استثناء والدليل ما تم الكشف عنه مرارا وتكرارا منذ اجتياحه وحتى اليوم عن إقامة أميركا قواعد عسكرية دائمة في العراق ومدها بكافة التجهيزات اللازمة, علما بأن أول من كشف النقاب عن هذا الموضوع كانت صحيفة "جمهوريت" التركية في يناير/كانون الثاني 2004 والتي قالت ببناء القوات الأميركية سبع قواعد عسكرية دائمة على الأقل.
ثم نقلت صحيفة "نيويورك صن" يوم 14/1/2004 أن البنتاغون يبني نظام اتصالات عسكرية مستديما في العراق وهو أساس ضروري لأي وجود عسكري دائم. هذه الشبكة تسمى "نظام ميكروويف العراق المركزي-CIMS" ونفذتها شركة "غالاكسي ساينتفك كوربوريشن" بكلفة 10 ملايين دولار.
وهذه الشبكة الدائمة تعني أنه حتى لو انسحبت القوات الأميركية فإن أعدادا كبيرة منها ستبقى في قواعدها التي أحصاها موقع "غلوبل سيكيوريتي" العسكري الأمني بـ12 قاعدة دائمة في كافة أنحاء العراق, وقد خصص الكونغرس الأميركي مبلغ 236 مليون دولار لبناء قاعدة عسكرية دائمة جديدة وذلك في العام المالي 2005